روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | طعم الإستغفار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > طعم الإستغفار


  طعم الإستغفار
     عدد مرات المشاهدة: 4206        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، والصلاة والسلام على خير من قرأ القرآن وركع وسجد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

جميعنا أهل آمال وطموحات ورغبات وأمنيات نسعى لتحقيقها بكل وسيلة ممكنة وبكل الطرق المتوفرة، فمن منا لا يرغب في مسكن مريح واسع الأطراف! ومن منا لا يرغب في وظيفة مرموقة بدخل طيب تكفيه مؤنة الحياة! ومن منا لا يرغب في حياة هادئة رقيقة المشعر والمسكن والأهل! ومن منا لا يرغب في السفر وزيادة الرزق وبركته والشهادات العليا!

ناهيك عن الظروف القاسية والمشاكل والآهات والآلام والأحزان التي تعتري وتكدر صفو حياة الشخص، فبها يظن أن الدنيا قد إسودت ولا أمل منها ولا فائدة، وهكذا تتوالى قلوب البشر في تطلعات المستقبل، وأحياناً تسود حزناً عندما لا تجد ما كانت تتطلع إليه.

أتعلمون! نتعرض كثيراً لمثل هذا ورغم أن الدواء الشافي الوافي الكافي موجود بأسهل الطرق، إلا أن أنفسنا الضعيفة تكاسلت عنه وكأنها مستغنية رغم حاجتها الماسة والشديدة إليه في ظل هذه الظروف الدامية أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب!

قالت امرأة فاضلة بلسان حالها وتجربتها: مات زوجي وأنا في الثلاثين من عمري، وعندي منه خمسة أطفال بنين وبنات، فأظلمت الدنيا في عيني وبكيت حتى خفت على بصري، وندبت حظي ويئست وطوقني الهم، فأبنائي صغار وليس لنا دخل يكفينا، وكنت أصرف بإقتصاد من بقايا مال قليل تركه لنا أبوهم، وبينما أنا في غرفتي فتحت المذياع على إذاعة القرآن الكريم وإذا بشيخ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكثر من الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا» فأكثرت بعدها الإستغفار وأمرت أبنائي بذلك، وما مر بنا والله سوى ستة أشهر حتى جاء تخطيط مشروع على أملاك لنا قديمة فعوضت فيها بملايين، وصار ابني الأول على طلاب منطقته وحفظ القران كاملاً، وصار محل عناية الناس ورعايتهم وإمتلأ بيتنا خيراً، وصرنا في عيشة هنيئة، وأصلح الله لي كل أبنائي وبناتي، وذهب عني الهم والحزن والغم وصرت أسعد امرأة.

يقول أحد الأزواج: كلما أغلظت على زوجتي أو تشاجرت أنا وهي أو صار بيني وبينها أي مشكلة أهم بالخروج من البيت من الغضب، ووالله لا أفارق باب العمارة إلا وتجتاحني رغبة شديدة في الذهاب للإعتذار منها ومراضاتها، أخبرتها بذلك فقالت لي: أتعرف لماذا؟

قال لها: ولماذا؟ قالت: بمجرد أن تخرج من الغرفة بعد شجارنا ألهج بالإستغفار، ولا أزال أستغفر حتى تأتي وتراضيني.

والقصص في ذلك كثيرة ودين الله لا يحتاج إلى تجارب ليثبت أحق هو أم لا، لكن النفس جبلت على التحرك مع واقعها إن لم تتحرك مع كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

إن خلق الإستغفار خلق رفيع الشأن عظيم المكانة تخلَّق به صفوة الخلق من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، فحينما كان إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يدعو والده إلى التوحيد والإسلام وقابله والده بالإعراض، كان أول ما لجأ إليه إبراهيم الخليل هو الإستغفار، طمعاً في هداية الأب إلى طريق الصواب: {قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي إنه كان حفيًا} [مريم:47].

قال قتادة رحمه الله: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالإستغفار.

وقال علي كرم الله وجهه: العجب ممن يهلك ومعه النجاة، قيل: وما هي؟ قال الإستغفار.

وكان رضي الله عنه يقول: ما ألهم الله سبحانه وتعالى عبداً الإستغفار وهو يريد أن يعذبه.

ويروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: يا بني إن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً فأكثر من الإستغفار.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: طوبى لمن وجد في صحيفته إستغفاراً كثيراً، وقال أبو المنهال: ما جاور عبد في قبره من جارٍ أحب من الإستغفار.

وكان الحسن البصري يقول: أكثروا من الإستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة؟.

وقال ابن تيمية رحمه الله: إنه ليقف خاطري في المسألة التي تشكل عليّ فأستغفر الله ألف مرة حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل، وقد أكون في السوق أو المسجد أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والإستغفار إلى أن أنال مطلوبي.

إخواني وأخواتي! إن للإستغفار أثارًا عديدة لا حصر لها، فمنها:

* أنه إستجابة لأمر ربكم عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [ص:290]، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19].

* هو سبب لجلب الرزق وبركته: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح:10].

يقول القرطبي رحمة الله تعالى: في الآيات دليل على أن الإستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار.

ويقول الحافظ ابن كثير رحمة الله في تفسيره: أي: إذا تبتم إلى الله وإستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأخرج لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدر لكم الضرع، وجعل لكم جنات فيها أنواع الأنهار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.

* هو سبب في جلب المتاع الحسن: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [هود:3]، والمتاع الحسن كلمة عامة لكل متاع طيب مبارك في الدنيا من سعة في المال ورغد العيش وحلاوته، وإستقرار البال والحال.

* الإستغفار سبب في دفع العذاب والعكس صحيح: فالله عز وجل ربط سعادة الفرد بالإستغفار: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].

* الإستغفار سبب في تفريج الهم والضيق: في الحديث الصحيح: «من لزم الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب».

ذكر العلماء فضائل عدة لملازمة الإستغفار:

۱- أنه سبب لمغفرة الذنوب: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10].

۲- الإمداد بالأموال والبنين: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح:12].

۳- دخول الجنات: {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ} [نوح:12].

٤- زيادة القوة بكل معانيها: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52].

٥- دفع البلاء: {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].

٦- وهو سبب لإيتاء كل ذي فضل فضله: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3].

٧- العباد أحوج ما يكونون إلى الإستغفار، لأنهم يخطئون بالليل والنهار، فاذا إستغفروا الله غفر الله لهم.

۸- الإستغفار سبب لنزول الرحمة: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:46].

۹- وهو كفارة للمجلس.

۱٠- وهو تأسٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه «كان يستغفر الله في المجلس الواحد سبعين مرة»، وفي رواية: «مائة مرة».

ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له، وقد عجز الأطباء عن علاجه، وبارت الأدوية فيه، فسأل أحد العلماء فقال: عليك بكثرة الإستغفار صباح مساء، فإن الله قال عن المستغفرين: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح:12]، فأكثر هذا الرجل من الإستغفار وداوم عليه فرزقه الله الذرية الصالحة.

إخواني وأخواتي! عليكم بالإستغفار فهو طريق النجاة وإنقشاع الظلام، وهو طارد للهموم والغموم والأكدار.

هو باب خير لحياة طيبة مطمئنة: فو الله من لزم الإستغفار فتحت له أبواب كل شيء، فلا تضيعوا على أنفسكم هذا الكنز العزيز: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:11-12].

الكاتب: أم أريام.

المصدر: موقع المحتسب.